عكست رواية “سرير الألم ” للروائية المقتدرة “زهرة عز” الصورة الحقيقة لكل الظواهر التي يعاني منها المجتمع من فساد بشتى ألوانه وظلم بأحلك سواده وتهميش بأشرس حالاته،بخيال واسع يجعل القارئ يتجسد في شخصيات الرواية بشكل تلقائي ويعيش أدق التفاصيل من داخله.
وقد اثارت الروائية قضايا متعددة تهم القيم والمبادئ التي غابت عن مجتمعاتنا من خلال إشارتها لدور الفللسفة والفكر ومدى اهميتها في ملازمة جميع قضايا وجوانب الحياة الفردية والإجتماعية والإنسانية ولما لهما من تاثير على تنوير العقل والفكر من خلال شخصية يوسف رمز العقل والمواجهة والتحدي. “ما اشبه الأمس باليوم عندما بسط الظلام أجنحته على العقول فأعمت بصيرتهم وحجبت عنهم الرؤية بوضوح…وكان فكر ابن رشد سيفا من نور تصدى بشجاعة لخفافيش الظلام” الصفحة9
فكلام يوسف يؤكد مدى أهمية الفلسفة خاصة التي تعتمد على العقل في مواجهة ظلام المجتمع مهما لاقت من تصدي وتظل صامدة بأفكارها
“لا تموت الأفكار أبدا بل تحلق بعيدا عاليا هناك حيث الفكر والإبداع والخلود ،تعانق الشمس وتحيك من خيوطها أرضا مضيئة خصبة وصلبة ،تنير العوالم المظلمة،تغدي عقولها وتحفظ توازنها” صفحة10
ليس الحق في التفكير بعقلانية هو المحارب من طرف الظلاميين بل كل الحقوق التي ترفع من قيمة الفرد وتسمح له بالعيش بكرامة وقد جسدت كريمة في الرواية تلك الشابة التي اغتصب شبابها امام عجز والدتها المريضة عن التطبيب بسبب ظروفها القاهرة خاصة بعد طلاقها من طرف الزوج التي انساق امام نزواته وأفقد للزوجة نعمة الإستقرار في حياتها وحرم إبنته من التمتع بحقوق الأبوة لتصبح وسيلة لإنقاذ أمها ونفسها في مجتمع لا تعطى فيه الحقوق للبشر بالتساوي ولا تضمن فيه حفظ الكرامة البشرية كما يجب .
“وفي يوم أسود وبعد رجوعي من المدرسة ظهرا وجدت أمي طريحة الفراش وقد ازرورقت شفتاها وشحب لونها”الصفحة 81
“…وقبل عقد القران وفى الحاج الطاهر بوعده لنا اشترى شقة باسمي لتعيش بها أمي قريبة من المستشفى…” الصفحة88
“…لم اكن راضية تماما عن زواجي بكهل يكبرني بثلاثين سنة “الصفحة88
تلك بعض المقاطع من الرواية التي تعكس مدى الإعتداء المادي والمعنوي الذي تعرضت له كريمة في سبيل إنقاد والدتها ونفسها من ظلم وقساوة الظروف. وتثار القضايا تباعا للروائية حيث أعطت حيزا كبيرا للجانب السياسي ذلك الأخطبوط الذي بفسادة يفسد المجتمع وتدمر القيم والأخلاق وتنهب الثروات وتقصى الكفاءات وتوسع دائرة البؤس والتطرف والدعارة….امام غياب مسؤولين غير واعين بواجباتهم اتجاه مواطن وثق في وعودهم الكاذبة.
“…انا احلم بيوم يخجل فيه الظالمون من ظلمهم والمترفون من ترفهم،في ذلك اليوم فقط نكون قد بدأنا فعلا سلسلة الإصلاح وترقيع الأسمال الممزقة التي عرت عوراتهم ربما سيستغنون عن اقنغتهم ويلبسون وجه المواطن الحقيقي الذي لا يرضى عن نفسه وغيره مظلوم وحقوقه مهضومة”صفحة182
“زمن اختلطت فيه كل الموازين وانقلبت…ومازال القانون ينتظر ان يعلو ولا يعلا عليه…” ص 182
“…انت اسقطت مصلحة الوطن من قاموسك ولا تفكر سوى بالاغتناء وبمصالحك…”ص195
“…انت تحمل البشاعة وتزيد الوطن سوءا بأمثال صاحبك السياسي الجشع الفاسد ،انت وأمثالك مجرمون في حق الوطن وتستحقون العقاب الشديد…”ص195
هي مقاطع صورت من خلاله الروائية ألم الوطن الذي أنهكه الفاسدون من شدة الفساد والاستغلال والجشع غير آبهين بمصلحة الوطن والمواطن.
من جانب آخر لم يفت الروائية قضايا أكثر مرارة على النفوس ويتعلق الأمر بزواج القاصرات او بمعنى أصح اغتصاب الطفولة
“تنهدت سليمة بألم خفقت دموعا تغرق وجهها وهي تستعيد ذكرى أسوأ ليلة في حياتها ،ليلة اغتيال براءتهاوطفولتها..”
ص131
هذا الزواج يغتصب فيه الزوج براءة طفلات والذي مازال تحت الظل ولم يستطع الخروج للعلن للوقوف على خباياه ومآسيه التي تئن منها الطفولة وتحتضر خاصة وأنه زواج يخالف الفطرة السليمة التي تقتضي منا رفع جميع أشكال العنف التي يمكن أن تحط من كرامة المرأة واحترامها ولو في بيت الزوجية.
“وفي يوم العرس بعد اشهر قليلة من الخطبة غاب فيها عقد الزواج متواطئا متواريا خلف فاتحة يتيمة “ص129
وللأسف المشرع المغربي لا يجرم الاغتصاب الزوجي بل يحرم الاغتصاب بشكل عام في اطار المادة 486من القانون الجنائي والتي تقول” الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة من دون رضاها ويعاقب علية القانون بالسجن من من 5 إلى 10سن
سنوات”
وحتى التفسيرات الفقهية استثنت الاغتصاب الزوجي من نطاق هذه المادة واكتفت للمرأة المتضررة في طلب التطليق اذا لحقها الضرر من طرف الزوج
وقد صدر قانون رقم 103-13المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء لكن لا توجد به اي إشارة للاغتصاب الزوجي
وقد دققت الروائية في مشاهد جد مؤثرة لمثل هذه الحالات في شخصية سليمة وكريمة اللتين عانتا من كل صور الذناءة والاغتصاب الزوجي في أبشع صوره.
“لقد أحببت شخيره المنفر في تلك اللحظة وشكرته ،كان إيذانا بانتهاء تعذببي الجسدي والنفسي الذي طال لساعات لم تكن تريد ان تنتهي رغم صراخي…”ص90
“كانت ليلة الدخلة كابوسا مازال يجتم على صدري ،وشم ذاكرتي وروحي بوشم من الألم والبذاءة”ص89
“تركت الماء الساخن ينساب على جسدي وبكيت بحرقة وانا أتحسس كل آثار المعركة غير المتوازنة بكيت خيبتي وألمي وبكارتي …”ص91
مشاهد جد قاسية تدمع لها العين فعلا وعلى المشرع والمجتمع المدني العمل على تحسيس وتوعية المرأة بحقوقها والوسائل القانونية المتاحة لها من أجل الدفاع عن نفسها وترسيخ ثقافة الحرية الجنسية بين الأزواج والقضاء على المفاهيم الدينية والاجتماعية المغلوطة. ومن أهم المواضيع إثارة في الرواية كذلك والذي تطرقت له الروائية بكل جرأة لأنه مازال طابو في مجتمعاتنا العربية والمغربية على الخصوص هو موضوع الجنس الثالث او ما يطلق عليه بالخنثى من خلال شخصية الغالي ذاك الشاب الوسيم الذي أقبر معه همه لسنين دون ان ينتبه والداه لحسه الأنثوي الذي لا دخل له فيه مادام الأمر يتعلق بتشوه خلقي في جهازه التناسلي والذي فرض عليه العيش قسرا في جسد رجل حاملا هموم الخوف من المستقبل.
” كيف لم تنتبه لتصرفات إبنها ونعومته ورغبته دائما في التواجد مع البنات …كانت تظن أن إبنها بجماله قد أغرمت به كل الفتيات لم تنتبه له في حمام السباحةوقد برز نهداه قليلا…”ص104
وموضوع الجنس الثالث (الخنتى ) لا علاقة له بالمثلية الجنسية التي هي محرمة شرعا لانه تشوه خلقي في الجهاز التناسلي سواء عند الذكر أو الأنثى بحيث يشمل الجسد الواحد ما بين أعضاء الذكورة وأعضاء الأنوثة يصعب معها تحديد نوع الجنس ، وهذا النوع سائد في الواقع وحالاته متعددة الا أن المشرع لم يشر مطلقا الى حالة الخنثى لا من قريب ولا من بعيد وحتى مدونة الأحوال الشخصية تعتمد فقط على ما أتى به المذهب المالكي في ما يخص الخنثى وليس المتحول جنسيا .
أما باب الإجتهاد القضائي فيظل مفتوحا في هذا المجال عندما تطرح عليه قضية المتحولين جنسيا بسبب الإنخثان ،فالقاضي ينطلق من تركيبة المجتمع المغربي ومن مبادئ الدين الإسلامي.
وتبقى أهم نقطة أتيرث في هذا المجال في مدونة الأسرة أو الإجتهاد القضائي هي موضوع الإرث اذ حسم في هذا الأمر وأعطى للخنثى الحق في الإرث نصف نصيب الذكر ونصف نصيب الأنثى.
أما في حالة التحول الجنسي الذي لا يعترف به القانون فإن الذي كان ذكرا قبل تحوله سيرث إرث ذكر،فيما الأنثى سترث إرث انثى وإن تحولت جنسيا .
اما من حيث تغيير الإسم فالقانون لا يسمح بذلك في الوثائق الرسمية استنتاجا من بعض القضايا التي طرحت أمام المحاكم وهذه مسألة لا بد من إعادة النظر فيها ما دام ذلك لا يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي والقيم المغربية وما دام التحول الجنسي حسم فيه العلماء والفقهاء والأطباء ولا علاقة له بالمثلية الجنسية.
ويبقى المجال الطبي الذي عرف تطورا كبيرا في هذا الصدد وخاصة في ما يتعلق بتحاليل الجينات التي لها دور كبير في إعادة النظر من الناحية القانونية للإهتمام بهذه الفئة .
ونستنتج في الختام ان الروائية طرحت قضايا متعددة وشائكة بقلمها الذي لا يأبى الا أن يغوص في معاناة المجتمع -وقد أشرت الى بعضها فقط – ولا زالت الرواية تحمل العديد من المشاكل التي صورتها الروائية بدلالات ورسائل في قمة المصداقية مما يجعلها تمس قلوب القراء والمعنيين اذا أتيحت لهم فرصة القراءة من خلال الكلمات ماداموا لم يتقنوا قراءة الواقع.
بقلم :بشرى اشبوك